خوارزميات الروح

آخر نشرة أخبار

انفوغراف

جهينة العوام

كنت إذا أردت صباحا بهياً يعلمني هدأة الحب، ويشد الهم من أذنيه ، ليمسح وجهي بما فاض من لغة الندى ركضت اليها ، وكنت اذا غدوت الى الكرم وحدي ورضوض الروح تئن تحت الملح ، تلاقيني مشفوعة بزهر قديم واقحوانة ، وكانت ترفع ظلي المتراخي فوق الشوك ، فتفرش تحته تنورة الحرير القديمة.

كانت تجيد قراءة صوتي كما تجيد الناي انتقاء الريح الآيلة للجنون ، فتناجيها وتكاغيها حتى تنام في حضنها ويغزلان نسيماً هوعصارة الهمس المحلى بابتسامتها وبأجنة النور.

ربما لن اسمع بعد الآن ( يقبروني عيونك)أو (يا حبيبة روحي) ولن أسمع مداخلات اخوتي وهم يترقبون لازمة حديثك الهاتفي معي (يا حبيبة روحي شفت اليوم منام ،وعرفت اني بدي انبسط واسمع صوتك) تلك الاحتفالات التي تشبه كرنفالا من الألعاب النارية ، و هي تتراقص في عينيك هل غادرت الى الأبد؟ اعترف انك منحتني غروراً شرعياً أختال به أمام نفسي كلما التقينا أو تحدثنا ، وأبتسم وأنا أتابع قاموسك اللغوي وهو يزداد يوماً بعد يوم بكلمات فصيحة تدخلينها بأحاديثك اليومية مع صديقاتك وأقاربك ،أتفهم حبك للمدرسة وعشقك للفنون والألوان والحياة ، انه الحب يا غالية يشكلنا على هيئته ويقوم اعوجاجنا .ماذا الآن ؟أين أنت يا جميلة ؟في أي زمن توقفت ؟وكم من الذكريات تنزفين؟

ماعاد بيننا وشوشات وأسرار، ولا وصايا وأحاديث وذكريات !هكذا وبدون مقدمات عدت بنتاً عادية ،بلا تاج ولا زينة ولا زغاريد وخلاخيل ،هل صار حضوري عادياً لهذة الدرجة ، أنظر في عينيك الطيبتين وابتسامتك المنهمكة في ربط الخيوط والأسماء والأحداث ، أتأملك بصمت ، لكن دمعي لا يطاوعني ، تلك الامتيازات والكلمات التي كانت لي ، أين قذفتها تلك الخثرة اللعينة .

ربما هكذا أفضل لكلينا ،أنا سيخف لدي الشعور بالذنب اني تركتك ،و سأمسد قلبي كل مساء وأنا أخبره انك لن تتألمي مجددا وانت تلوحين مودعة لنا واحدا تلو الآخر ، الذكريات مناطق مأهولة بالحنين والبؤس واليأس مبللة بالدمع ملغمة بالغصات ، وتتركه خاوياً عارياً تالفاً ينز حزنه على مهل .

أعرف انك تائهة الآن ولا تعرفين أين تقفين، تنظرين حولك تبتسمين وتدعين للجميع ، بمستوى عاطفي واحد ،لايميز بين الشك والحقيقة بين الحلم والواقع بين الحزن والقريب والبعيد .

الموت مساو للحياة تماما ، الموت مقسوم على الحياة دون باق يذكر .

بذات النبرة والسلام تتقبلين الأخبار مهما اختلفت ، تحاولين الربط بين الاسم والوجه والعاطفة والذكريات فيخذلك ذلك الجزء المعطوب من الدماغ ، لكنك مازلت تعثرين على مفردات فصيحة لتزيني بها حديثك ،وتنجحين في قراءة ملامحنا واسمائنا .

ربما هذا شكل من اشكال العزاء ، ان تحتفظي بصورة ناقصة عما جرى ، تظنين اننا كلنا ما زلنا حولك (أولادك كلهم وأحفادك الذين لفظتهم بلادهم ، وان الشتاء مازال يأتي في موعده وان بلادنا ما زالت بلاد الخير والبركة ، لا تكترثي يا جميلتي ان نسيتي أسماء أولادنا سنسهر كل ليلة ونعدهم واحدا واحدا ندعو للمتزوجين بالهناء و للبقية بالفرح ،ربما استعين بالصور المكدسة أو كاميرة الفيديو ، لا تقلقي لا يهم ان تتذكري ،المهم اننا كلنا نعرفك نحن أولادك الذين بذرتهم قمحا وسط عمر من زؤان ومافي الدرب الا الدمع والرجاء .

ولن يؤلمك شجر الزيتون الذي زرعتيه خلف الدار بعد الآن ،بحياد عاطفي تام ومكتفية بمقعد الفرجة ستنظرين الى الكرم وشجرة الليمون المدللة في أرض الدار، وحتى الشجرة التي زرعها تامر ، ستبسمين لها وربما تمررين اصابعك عليها وتمضين ،بعدما أيقنتِ أن الدمع ماعاد كافياً ولا البحث عن تامر في ممر الحلم مجدياً.

قبل سنوات يا حبيبتي ، أصابني مرض جلدي ، فقال لي الطبيب :ان جهاز المناعة ونتيجة للرضوض النفسية والخوف والقلق والحزن التي نمر بها و حين نحمله أكثر من قدرته ينقلب علينا، ويهاجمنا ، ليدافع عما بقي منه ، أعتقد أن للجسم أقوال أخرى فيرتجل سلاماً مبتذلاً يدافع به عن ذاته.

ربما هكذا أفضل ، هكذا يمر الوقت بريئا رشيقا مختالا وقد تملص من قبضة الماضي، هكذا أفضل وقد سبقتنا ذكرياتنا الى المقبرة

فربما و ننسج على نول القلب عمرا ورفاقا وحياة جديدة