شظايا السماء.. البحث عن الأصل.. والبحث عن الرزق

آخر نشرة أخبار

انفوغراف

تعد النيازك في المغرب مصدر عيش العديد من سكان الجنوب. الذين يجوبون الصحراء مشياً على الأقدام، أو على متن الدراجات أو السيارات، بحثاً عن بقايا حجر نيزكي نادر متوارٍ وسط الرمال الشاسعة. والذي قد يقودهم بيعه لتجاوز خط الفقر. مثلما بيع حجر نيزكي مصدره القمر، طوله أقل من ثمانية سنتيمترات بقليل، وعرضه أربعة سنتيمترات، مقابل 21420 دولار، مطلع العام الجاري.

متتبعا أولئك الذين يلهثون وراء بقايا هشيم السماء في الصحراء المغربية، يخوض المخرج المغربي عدنان بركة، في وثائقيّ فلسفي بعنوان “شظايا السماء” مغامرة البحث السينمائي عن أصل الوجود، في وقت صار فيه مجتمع الباحثين أكثر تنظيما وله قواعده. وسط عوامل مناخية قاسية تجوب صحراء لا ترحم تختبئ فيها الألغام أحيانا، وعلماء ينازعون أبناء القبائل بحثهم من أجل الوصول إلى اكتشاف جديد.

وسط كل هذا، تبرز الأسئلة التي يطرحها بركة. عن ماهية الكون، ومن أين بدأ، وكيف سينتهي؟ وما هي رسالة النيزك عبر أحجاره؟ وماذا اراد الله ان يخبر البشر من خلال هدايا النيازك باهظة الثمن والمعرفة؟

تخرج عدنان بركة عام 2011، من المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش، وتخصص في الإخراج، وأخرج فيلمه القصير الاول “تالبنين”. وفي 2019 أخرج فيلمه الوثائقي الطويل “نجوم هائمة”. أما الفيلم محور حديثنا، فبدأ عدنان العمل عليه منذ عام 2014، وتم تصويره على عدة مراحل وفترات متقطعة.

تسير أحداث الفيلم بطريقة درامية في خطين متوازيين. بين محمد بخا الكهل البدوي، والأستاذ الجامعي وعالم الطبيعة الدكتور عبد الرحمن أبهي. كلا الرجلين يمثل فريقا يخوض الصحراء من أجل قطع النيازك وبعضها لا يكاد يُرى.

وبينما محمد قلق لندرة الأمطار وجفاف الزرع هذا الموسم، يحلم ببيع بعض الأحجار لأي من السماسرة الذين يعيدون بيعها للمراكز العلمية والباحثين. هنا، نجد الدكتور عبد الرحمن الذي يحتاجها لتدريسها لطلابه وهو يحدثهم عن بعض نظريات نشأة الكون، التي يزعم بعضها أن كل شيء بدأ بخلية حية وسط أحجار النيازك، ثم تطورت وصنعت كل الكائنات.

وعبر الفيلم، تتجول كاميرا بركة بين حياتين مختلفتين.

رجل أراد أن يعطي أسرته الأمان والحماية من الجفاف والفقر وندرة المياه، يعيش حياته يؤمن بالله ويُناجيه، يظهر ذلك في حواره مع نفسه، وتأملاته للطبيعة من حوله. لكن، لا يعنيه ماذا أثبت العلم وما الذي اكتشفه العلماء أو يجادلون في وجوده. فقط يريد الاستفادة من أحجار النيزك وبيعها لتأمين حياة أسرته. هكذا تدفعه أصوات الرعد المقبلة من خلف الجبال المحيطة بخيمته، إلى النظر بلهفة عبر “المنظار المُقرِب”. ربما ستسقط إحدى الشهب أو النيازك، وعليه أن يُسرع لالتقاط النافع منها لبيعه لهؤلاء الباحثين.

في المقابل، عالم يريد إثبات نظريته عن خلق ونشأة الكون أمام العالم وأمام طلابه. يقف محاضرا عن نظريات نشأة الكون غير المحسومة، والمُختلف حولها، حتى بين العلماء والفلاسفة، لكنه يفكر في أنه لعلّ النيازك والأحجار الساقطة من السماء تُعين على تثبيت رؤية مادية لهذا العالم.

تتنقل كاميرا المخرج بخفة وسلاسة بين الخطين الدراميين، مصحوبة دائما بموسيقى، تُضفي على المشهد العام -الرجلين والشهب الجامعة بينهما- غموضاً وبُعداً سرمدياً. وبرشاقة بالغة وصورة متميزة، ينقل حالتين متضادتين، بين مجموعة البدو الذين صاروا في أبعد نقطة عن ديارهم، ورفاهية فريق الطلبة والعلماء في المعامل البحثية.