لعنة السندريلا

آخر نشرة أخبار

انفوغراف

 جهينة العوام

قبل أن تبيع المقابر جثث الصالحين بحجة السفر، وقبل أن تحصل مفردة السخرية على لوك جديد (التنمر) وكأنها ابتكار خرج للتو إلى العلن، وقبل أن تختنق الحقائق تحت سطوة الألقاب وازدحام (السلفي) كان الاستاذ (سعدو) في قريتنا، يطلب إلينا نحن طلابه، البقاء في وضعية الجلوس أثناء قراءة النصوص، حسب رأيه أن وقوف أحد الطلاب يشتت انتباه البقية. وهذا كان السبب وراء أول توبيخ يوجه إليَّ من معلمة الصف الثالث الابتدائي، بعد أن قررت عائلتي الانتقال الى العاصمة، حاولت أن أشرح لها رأي استاذي الذي وثَق تاريخ قريتنا بقصائده، لم يترك أي حادثة مهمة أو مستهجنة تفلت منه، فكان بذلك مرجعاً فريداً لتاريخٍ على هيئة قصيدة.

تفوقي في قريتي لم يشفع لي في العاصمة، بعد توبيخ المعلمة تحولت الى مادة دسمة للسخرية، التي ازدادت بعد أن استدعتني المديرة، وطلبت مني إحضار ولي أمري لاستكمال أوراق النقل.  فعدت للمنزل خلال الدوام، وانتظرت حتى رافقتني والدتي مع الأوراق   المطلوبة إلى الإدارة.

كان جرس الفرصة قد رن وكل الطالبات في الباحة (دوام بعد الظهر ومدرسة بنات فقط، كان أمراً غريباً بالنسبة لي ولا يشبه مدرسة القرية، التي باتت في مخيلتي فردوساً حقيقياً مقارنة بكل الصعوبات التي لحقت بي بعد الانتقال للمدينة) عدت إلى الباحة. هذه المرة كانت السخرية أشد مرارة وألماً إذ لم تعد محصورة ببنات الشعبة، بل انتشرت كمرض الحصبة  في المدرسة كلها، كل البنات يتهامسن ويشرن الي ولا يتوقفن عن الغمز والضحك !

في المساء زارتنا إحدى الجارات، وحالما شاهدتني ضحكت ساخرة وقالت:

-كيف تذهبين الى المدرسة (بكندرة بلاستك) ؟ أنتم الآن تسكنون في المدينة!

أخيراً عَرفتْ السبب، فعندما أرسلتني المديرة إلى المنزل خلال الدوام وجدتها فرصةً لأرتاح من الحذاء الصيني الضيق الذي كان دارجاً تلك الأيام فلبست كندرتي البلاستيكية .

خطرت ببالي قصة السندريلا التي كانت بالنسبة لي من أسوء القصص التي قرأتها، فكيف لفتاة أن تفرح بأن الأثر الذي تركته خلفها (حذاء) وكيف تغفر لشاب راقصته لساعات ولم يتذكر ضحكتها أو صوتها أو عينيها أو على الأقل رائحة عطرها، تلك القصة كانت مثالاً سيئاً عن الحب، لكنها بنفس الوقت مثال مراهق عن عقلية كاتب …

بالمناسبة بعد سنوات سادت موضة الأحذية البلاستيكية التي كانت قبل سنوات مستهجنة، وتهافت الجميع لارتدائها، ببساطة لأن الموضة تحكم العالم وما كان مخزياً بالأمس تجيزه سطوة المال.