أوراق دمشقية – إشكاليات الخطاب السياسي الأمريكي!؟

آخر نشرة أخبار

انفوغراف

د. نهلة عيسى

نقلت لنا شاشات التلفزة في الأيام القليلة الماضية الكثير من تصريحات قادة ووزراء دول الشمال, على خلفية ما يجري الآن في منطقتنا من أحداث جسام, وأعني بذلك وقائع طوفان الأقصى, وما تمخض عنه من سجال دموي ليس على الأرض فقط, وإنما أيضاً على وسائل الإعلام.

وكان المثير للانتباه ما قاله وزير الدفاع البريطاني في توصيفه للحدث, باعتباره كراهية من العرب لأسلوب الحياة الغربية!؟ وهذا أمر فيه الكثير من خلط الأوراق, والتجني وعدم الفهم, لأنه لطالما شكل أسلوب الحياة الغربي بمعظم تفاصيله, حلماً من أحلام – على الأقل – الشباب العربي.

لكن, ما لم ينتبه إليه الغرب عموماً وأمريكا خاصة, أو بالأحرى يعيره اهتمامه, هو غضب الشعب العربي من ازدواجية المعايير فيما يتعلق بقضاياه المصيرية, إذ بينما تعتمد الاستراتيجية التضامنية في الخطاب مع وعن اسرائيل سياقاً لا حياد عنه مهما اختلفت الموضوعات والأزمنة، وهو سياق يسهم في ترجيح أدوات بعينها واختيار آليات مناسبة لعملية الإفهام والفهم بين طرفي الخطاب، يجسد بها المرسل علاقته بالمرسل إليه، ونوعها، ويعبر عن مدى احترامه لها ورغبته في المحافظة عليها- أو تطويرها، بإزالة معالم الفروق بينهما, وكأنهما واحد, وبما يوحي بالتآزر والتضامن والسعي مع المرسل إليه، لتقليص المسافات بينهما ممّا يضيق معه إطار الفرقة وتنتفي معه عوامل التشتت, ليبدو المرسل وكأنه ينطق بلسان المرسل إليه, ولعل قول وزير الخارجية الأمريكي “بلينكن” لنتيناهو لحظة لقائه به في تل أبيب بعد طوفان الأقصى: أنا قادم إليكم كيهودي!؟ خير مثال على ما أسلفت, ومدعاة ليس للاستغراب فقط, بل للذهول, كيف يتخلى وزير خارجية أقوى الدول عن تعريف نفسه بمنصبه الكبير لصالح اظهار تماهيه مع الحليف!؟

بينما في كثير من الأحيان يعتمد الغرب, وأمريكا تحديداً, بشكل مباشر أو غير مباشر, الاستراتيجية التوجيهية في مخاطبة العرب, وهي استراتيجية تتغاضى عن الجانب الدبلوماسي المتعارف عليه في العلاقات الدولية, من أجل تحقيق هدف الخطاب من النصح والتوجيه, وأحياناً فرض قيود محددة بالإكراهات الخارجية, تحقق مصلحة المرسل, بغض النظر عن مصلحة المرسل إليه, حتى لو كان في ذلك إضاعة لحقوقه!؟

وفي اختلاف أساليب التعامل والخطاب تكمن مشكلة العرب مع سياسة الغرب القائمة على الكيل بمكيالين, رغم أن العرب لا ينتظرون من أمريكا على طول خبرتهم بالعشرة معها, أن تقف معهم, ولكنهم بالتأكيد يريدونها أن تكون على الأقل ولو باللسان عادلة, فالقصة ليست كراهية لأسلوب حياة, بل غضب على أن حياتهم ليس لها ذات قيمة حياة اسرائيل عند أمريكا.